رابط صفحتنا الرسيمية

» » غزوان بزي\ سوريا رحلة كتابة


غزوان بزي\ سوريا



رحلة كتابة

كان القلم ساكناً بارداً, يرتشفُ الصمت في مخدعه, يستريح.. منتظراً أيَّ يدٍ تحمله فتُدفئه.. لتُرسل في عروقه الحياة.. بزيادة نبضات قلبه وإيقاظ مشاعره.. ليتبادل الإحساسَ مع حامله.
حمله بهدوء, وأداره بين أصابعه الدافئة.. عصرَهُ.. ومسحَ على قلبه, فأيقظه.. وشحذ عزيمته.. لينطلقا معاً في رحلة حب.
كانت الورقةُ بيضاءَ تنتظر.. طال انتظارها.. فهدأتْ وذهبتْ في غفوة..
نبضاتها هادئة ومنتظمة.. وروحها كالحلم.. ينتظرُ مَنْ يمسح عليه بكلماته الدافئة وإحساسه المتقد.. فينير بصيرتها وبصرها.. لتراقب حدث الكتابة بكل أحاسيسها ومشاعرها.. وبذلك تكون شاهدةً على فكرة الكاتب وعمق ما يكتب بكل الحب والمساندة.. فهي صورةٌ لعقله.. وتجسيدٌ لإحساسه.. ومخزنٌ لفيض إلهامه..
أما هو فقد وثق بقلمه الدافئ.. الذي ينبض بالحيوية.. وبورقته التي بدأت تُصدر صوتاً خافتاً لتأكد القبولَ والجاهزية..
انطلقتْ في عروقها.. دمائها.. ونبض قلبها بالحب والانتظار لجديد كلماته التي تداعب فكرها وروحها.. لتحفظها وتخلدها.. وستصبح جزءاً منها..
أما الكاتب فكان يرتعش قلبه.. يكاد يقفز.. وأعصابه متوترة وكأن الناموس قد نزل عليه فهز قلبه وزعزع أركان جسده.. ولقَّنه شيئاً سريعاً سينساه إذا لم يُكتب ويُدوّن في الحال.
بدأ القلم ينزف دماً على الورقة.. وكأنه سيبذل ما بداخله للمرة الأولى والأخيرة..
جاء ليملأ وجه الورقة دماً وشوقاً.. بدأ يُغيِّر شكلها.. جعلها كالجرح.. أما هي فكانت عاجزة ضعيفة لا تستطيع الاحتجاج أو الرفض أو حتى الهروب.
كانت تحبه وتنتظره.. وتتجمَّل لأجله.. هو روحها ومِدادُها.. به تكون أجملَ وأعمقَ.. حتى عطرها يكون أذكى وأكثرَ تميزاً.
الشيء الوحيد الذي فعلته.. هو البكاء والارتجاف.. امتزجتْ دموعها مع الدم.. فخافتْ وصرختْ فمسح عليها الكاتب بيده وربَّت عليها حتى هدأتْ واستكانتْ.. لكنَّ القلم واصل تجريحها بكلماته، ولم يأبه لأنينها وهي تتألم وتحتضر.. كان هذا قدرها.. أن تُمتحن وتُعتصر لتُجلا نفسُها وتُطهر روحها لتصبحَ أقوى وأجمل..
عندها سمعَ الكاتب صوتاً خافتاً من داخل الورقة.. اقتربَ من قلبها أكثر، فأيقن بأنه صوتها وهي تتألم، فهمس في سرها:
- لا تخافي.. اهدئي. لن تموتي.. بل ستولدين الآن من جديد.. بهذه الكلمات التي أخطها على وجهك الأبيض الذي سيحفظها لي بأمان.. وهذا القلم الذي يُدميك.. ما هو إلا عروقي ودمائي التي أنزفها.. فهو حبل شِريان يصلني بك.. فأفهمك وتفهمينني..
سأكون أنا وهذا القلم حياتك.. فلا تموتين أبداً.. إذا وثقتِ بنا وصبرتِ على جنوننا وانفعالنا عليك وستُخلدك هذه الكلمات وتُخلدينها أنت..
عندها هدأتِ الورقةُ وفتحتْ قلبها لهذه القلم الذي راح يحفرُ عليها فكرَ وأحاسيسَ الكاتب.

عن المدون International Literary Union Magazin مجلة إتحاد الأدباء الدولي

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد