علي محمد العبيدي\امريكا- العراق
دراسة نقدية للنص الذي كتبه الشاعر الأستاذ أمين جياد
(ريشة فوق قبعة القصيدة) ... بقلم علي محمد العبيدي
************************************************
ريشة فوق قبعة القصيدة
......... امين جياد
(1)
الليلة باب يفتح للريح
عصافير تنقر في كف
تنقر في كف امراة نائمة
تظهر في المرآة
تقوم
تلمّ مفاتنها
تترك شيئا قرب الباب
وريشا يملؤه الدم
(2)
هي غصن الريح
على حجر تتواتر فيه الامواج
فيصعد هذا الماء
على جسد يكسوه الزغب المبلول
يغطي خصرا
يتمطى كالضوء وحيدا
هذا الغصن يضيء على مرآة
تتكسر فيه النار
تذوب الريح
تذوب الامواج
يسيل الحجر الياقوتي على كفيها
فيطير الريش .
(3)
هي كل جمال في المرآة
تمشط ريحا
او نارا
وتحدق في عينيها الخضراوين
فيخرج من ضوء المرآة
حصان يصهل
يصهل في شعر مبلول
يكسر في المرآة الالوان
على عينيه بقايا امراة
تهرب بين شظايا
تتوزع في الظلمة .
(4)
الريش تطاير في غرفتها
وصهيل غطى صوت الريح
فاندفعت نار
وبقايا اصوات
تتداخل في همهمة
فيشع على عينيها حجر من ياقوت
تنهض من بين الريش شظايا
تتلون في المرآة طويلا
تتجمع ريشا
يلتف على الشباك
فيهرب .
************************************************
هذا النص البديع الممتع .. والغريب في بعض الأحيان .. عندما قرأته وغادرته لم اتمكن من الانفكاك عنه فقد استحوذ على فكري وخيالي ... وعندما رجعت له وانعمت فيه النظر وتأملته مليا وجدته نصاً عميق المعنى كتبه الشاعر بخياله الواسع وقدراته الفنية والأدبية وأظهر فيه أمكانياته الفلسفية وصاغه بطريقة التورية البلاغية بما يتناسب مع خياله وسعة تصوراته الذهنية والفكرية ... مع تركيزه على الدلالات المكانية أكثر من تركيزه على الدلالات الزمانية لغاية يتطلبها منه الموقف الفكري الذي يجول في خاطره ... وتكررت هذه الدلالات في النص مرات عديدة مثل (الريح .. الريش .. المرآة .. المرأة ... النار ..) وقد قسم الشاعر النص إلى لوحات يكمل بعضها بعضا .. عنوان النص هو (ريشة فوق قبعة القصيدة) عنوان مثير للانتباه ومثار للعديد من الاسئلة الجدلية حوله ... وهذا شأن اي مجاز بلاغي لانه من غير الممكن أن يتم الاتفاق على تفسير معين لغاية الشاعر في اختيار العبارة وصياغتها بهذه الطريقة .. المطلع الاستهلالي صاغه الشاعر بذكاء ليشد المتلقي فاختار الجملة الاسمية وابتدأ بكلمة (الليلة ) وتلاها باسم ايضا (باب) فحصل على عنصر التشويق والإثارة من الوهلة الأولى.. ثم جاء بعد ذلك بالفعل المضارع (يفتح) وجعله مبنيا للمجهول .. ولم يجعله ماضيا لكي يتسنى له ترتيب تسلسل الأحداث وتتابعها... لانه لو جعله ماضيا ستأتي الأحداث سردا ودفعة واحدة ... ثم يتساءل المتلقي لمن فتحت الباب ؟.. هل فتحت لطارق بليل .. لا انها فتحت للريح .. جواب يثير الدهشة والحيرة في آن واحد ... فحين تسمع هذا الجواب تتزاحم الأفكار في رأسك وتسرع لتفتش مستطلعا في النص ماذا قال الشاعر بعدها ... ثم يأتي الجواب بغرابة اكثر يثير الاستنكار... ولكن اذا تأملت النص مليا ستجد ان الشاعر غاص في عمق خيالي سحيق ليعطي صورة مفعمة بالرومانسية رغم الجدلية التي يثيرها من بداية النص وحتى الخاتمة ... العصافير تنقر في كف والكف كف أمرأه نائمة ويظهر خيالها في المرآة ثم تقوم وهي تلملم مفاتنها ثم تترك شيئاً قرب الباب هكذا بسهولة وهل انتهى المشهد ... كلا ليس كذلك لنتأمل فيه قليلا من هذه المرأة؟ ولماذا ظهرت صورتها او خيالها في المرآة؟ ولماذا لملمت مفاتنها ونوت الرحيل ؟ وما الشئ الذي تركته عند الباب؟ وهنا يأتي ابداع الشاعر في حل هذه الألغاز عند قوله في المقطع الأخير (وريشا يملؤه الدم) . ثم تتوالى الصور والأحداث ويكشف لنا الشاعر كثيرا من الأسرار تاركا الغموض يلف بعضها لكي يعطي مجالا واسعا للمتلقي ان يفسرها ... فيقول هي غصن الريح وهنا بين كنهها وحقيقتها... وصور لنا كيف تتصاعد الأمواج ليسقي الماء ذلك الخصر فينمو كغصن رطيب ثم يكسوه الزغب شيئا فشيئا ليكتمل في جماله واخضراره وتضئ على المرآة وتكسر عليها لهيب النار ومعه الريح والماء بعدها يذوب ويسيل الحجر على كفيها ياقوتا جميلا ثم يتحول ريشا يتطاير في السماء .
ثم انها كل جمال المرآة وفيها يظهر خيالها وهي تمشط الريح وتداعب خصلات اللهب المتلألئ وهي تحدق بعينين خضراوين ثم يخرج فجأة من ضوء المرآة حصان يصهل ويصول ويجول ويكسر ما في المرآة من ألوان لكن على عيني هذا الحصان ترتسم بقايا أمرأه تنطلق هاربة بين الشظايا المتكسرة وتتلاشى في زوايا الظلام .
الريش تطاير في غرفتها بفعل الريح او نتيجة حالة اضطراب وحركة خفية او مجهولة ولكن الشاعر أشار إلى أن صوت الريح كان له أثراً طغى عليه الصهيل وفي خضم أختلاط هذه الاحداث تندفع النار وبقايا همهة الأصوات يشع في عينيها الياقوت في اشارة الى سرمدية حياتها وعدم استحالتها إلى العدم ثم تنهض من بين الريش تلك الشظايا التي تهشمت فتتلون في المرآة بألوان طيف النور وتتجمع ريشاً يتسامى فيهرب بعيدا إلى عوالم الخلود .
لقد أجاد الشاعر في تعابيره اللغوية والبلاغية مستخدما أسلوبا مترابطاً يدل على ذكاء كاتب متميز من بداية النص وحتى ختامه ... الصور التي رسمها الشاعر تجعلك تتعايش معها إحساسا وتفكيرا لدرجة انك ترحل معه إلى عالمه الخيالي وهذه ميزة يتحلى بها هذا الشاعر الكبير ... وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول ابداع وتألق... مع تحياتي وباقات الورد والياسمين
ليست هناك تعليقات :