رابط صفحتنا الرسيمية

» » علي محمد العبيدي- امريكا دراسة نقدية لقصيدة الشاعر اياد البلداوي (تداعيات عشق متنمر) بقلم علي محمد العبيدي

علي محمد العبيدي- امريكا

دراسة نقدية لقصيدة الشاعر اياد البلداوي (تداعيات عشق متنمر) بقلم علي محمد العبيدي
*********************************************************************
تداعيات عشق متنمر
لا تقترب مني
فالتيه في صحرائي صعب
ليس في جعبتي
ما يحميك من التعب
برد الشتاء
ولسعة الشمس
عطش الروح
كل محتواها نضب
أما أنت....
آه من قلبك الحاني
كلما مرّ بك العمر
يستعرُ فيكَ اللهب
قلْ لي بربكَ
الى أين تريد بي
صمتي أجهز عليّ
ونارك تنخرُ بي
فالرماد نهايات الخشب
متى أنجو منكَ
أكلتني السنوات وإياك
وأنت...ذاتك أنت
تغرّد كطائر لم ينل منه تعب
****************************************************************
في أول نظرة وقبل أن أقرأ النص شدني العنوان تداعيات عشق متنمر ، وقفت عند تداعيات ومعناها اللغوي العميق وتصريفها في اللغة الذي يعطيها المدى واسعا في الاستخدام وقدرة كبيرة للشاعر للتعبير عن ما يدور في مخيلته من أفكار يحاول الربط فيما بينها لكي يتمكن من ترتيب الاحداث في ذهنه ومن ثم تسلسل جملها في بنية النص لان التداعي في الفكر العربي يلعب دورا فعالا في زيادة النشاط العقلي وقوة وعي الفرد وتركيز إهتمامه لانها مرتبطة ارتباطا وثيقا بواقع الحياة الاجتماعية والعلاقات الايجابية بين الافراد والجماعات وتفصح عن ثبات وقوة شخصيته وعدم الانسياق في تيارات الافكار الهزيلة والجانبية واثبات وجودها في محيطها العملي وبناءاًعلى هذا كان لزاماً عليَّ ان أوضح معاني النص من الناحية اللغوية والصرفية لكي اتمكن من تحليله وكشف خفاياه وتحصيل غايات الشاعر البعيدة ، فالتداعيات في اللغة : هي تداعى على يتداعَى ، تَداعَ ، تداعيًا ، فهو مُتداعٍ ، والمفعول مُتَداعًى عليه تَدَاعَى النَّاسُ : دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضاً لِلاجْتِمَاعِ . تداعتِ الأفكارُ : تواردت ، تواترت واستدعى بعضُها بعضًا
ومن خلال ما سبق يستبين لنا ان الشاعر صاغ عنوان قصيدة بذكاءٍ ينم عن خبرة طويلة في القدرة على التعبير باسلوب فكري عميق المعنى .
لقد وصف الشاعر هذا العشق بأنه متنمر وهذا الوصف الجميل الذي يدل على اسلوب التورية البلاغية واستخدامه كناية التنمر لهذا العشق أعطت العنوان جمالية وجاذبية ورغبة وفضول للمتلقي ان يستطلع النص ويغوص في تفاصيله الدقيقة ليستكشف غايات وأهداف الشاعر الدفينة من خلال النص .
المطلع الاستهلالي في القصيدة يبدأ بـ (لا تقترب مني) استخدم الشاعر هذه الصيغة النحوية لانها صيغة حازمة في النهي . وهنا جاءت لا الناهية لتدخل على الفعل المضارع فتجزمه . وصيغة التحذير والزجر البلاغية تثير الانتباه ، تعطي النص قيمة في نظر المتلقي وكذلك في مثل هذه المواقف تحتدم في ذهن المتلقي التساؤلات عن القادم . يأتي الجواب سريعا وبلا تردد أو تأخير (فالتيه في صحرائي صعب) وقد ربط الشاعر جوابه بما قبله بصيغة العطف وذلك ليجعل من النص مترابطا بعضه ببعض ولكي يعطي مجالا كافيا لتسلسل الاحداث . ثم يقول (ليس في جعبتي ما يحميك من التعب) وهنا إتضحت الصورة فهو لا يحمل معه شيئا ينفع لمواجهة الظروف الصعبة في هذه المفاوز التي يريد ان يسلكها .
ثم يتلوها بما يسبب الاذى والضرر من مشاركته هذه المسيرة الصعبة وأولها (برد الشتاء) ونتوقف عند هذه العبارة ، تحديدا عندما يأتي ذكر الشتاء عند الشعراء ، لان الشتاء له لغة خاصة لا يفهمها ويحسها ويتذوق حزنها ويتأمل حالة الاندماج مع الطبيعة ومخاطبة الكائنات بلغة صامتة غير الشعراء أصحاب الذوق الرفيع والمشاعر الجياشة والخيال الواسع . ثم يأتي على عطش الروح وهو نوع من انواع المواقف والحالات المعنوية التي تهز كل من يمر فيها أو عليها متأملا الصورة البديعة التي رسمها الشاعر في خضم بحر هذا النص الذي اتخمه الشاعر بالصور المعنوية المؤثرة في نفس ومشاعر كل إنسان يتذوق الادب والشعر ، وعندما نتأمل النص وننعم فيه النظر نجد مكابدة لحالات مختلفة من المعاناة والألم كما في قول الشاعر (آه من قلبك الحاني)(كلما مرّ بك العمر)(يستعرُ فيكَ اللهب) كل هذه الصور وغيرها تعبر بدقة عن مواقف صعبة وظروف قاسية وتركة ثقيلة .
ثم ينتقل الشاعر الى موقف آخر هو الحوار مع ذلك الاخر الذي يريد منه جواباً لأسئلته فيستحلفه (قلْ لي بربكَ)(الى أين تريد بي) أي انك الى أي وجهة تريد ان تأخذني لا بد انك تأخذني الى المجهول لانك لم تفصح عن نواياك ، وهنا استخدم الشاعر عبارة (الى أين تريد بي) ولم يقل (الى أين تأخذ بيدي) ففي الاولى قصد الشاعر شئ مبهم ومجهول ، أما الثانية ففيها إرادة معلوم ودلالة على الخير والفرح والبهجة .
(صمتي أجهز عليّ)(ونارك تنخرُ بي) وفي هذا الموقف أعطى الشاعر صورة واضحة المعالم لما يعانيه من شدة وقع الحوادث وتواليها عليه وهما الصمت المطبق الذي يعانيه وناره التي أكلت جسده وهنا عبر الشاعر بصيغة بلاغية بديعة للغاية في تصوير هذين الموقفين .
ثم يقول عبارة جميلة للغاية تدل على حكمة الشاعر وخبرته في الحياة وما تعلم منها عبر سنين طويلة ألا وهي (فالرماد نهايات الخشب)
أما أنا فلا مفر لي منك فقد أضنتني السنين من هذه الرفقة الطويلة ، وانت كما بدأت الرحلة معي تلهو وتلعب وترفل في السعادة وتعيش في هناء ورغد كأن هذا الأمر لا يعنيك وليس من شأنك ولا هو جزء من مسيرة حياتك التي قضيتها معي وأنا أحنو عليك وأراعي كل شؤون حياتك .
لقد أجاد الشاعر في التعبير وتسلسل الأحداث ورسم الصور الخيالية والمعنوية المعبرة بإسلوب أدبي متزن وصياغة بلاغية بديعة استخدمها بذكاء وحكمة تدل على خبرة عميقة في التعبير عن الحالات والمواقف التي رسمها في مخيلته وترجمها بطريقة سهلة وصاغ عباراتها بلغة السهل الممتنع لانها كانت بسيطة مفهومة وبهذه الطريقة حافظ الشاعر على الذائقة الفنية للنص وجعل المتلقي يتلذذ ويعيش معه المعاناة التي صورها . اسلوب الحكمة والرزانة في الصياغة والتعبير كان له أثره البالغ في إثراء النص مما أعطاه مكانة عليا تدل على قدرة الشاعر في تطويع العبارات واستخدام صيغ المعاني في الاماكن المتعددة بدون تكرار الالفاظ التي تضفي على النصوص طابع الضعف والملل . وفي نهاية هذه الرحلة الممتعة مع هذا النص لا يسعني الا ان أقول إبداع وتألق ، مع تقديري واحترامي

عن المدون International Literary Union Magazin مجلة إتحاد الأدباء الدولي

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد