فيحاء نابلسي
بوس الأيادي
لم يكن مازن ابن البطة السوداء, الجميع يعرف أنه خرج ن نفس الرحم التي خرج منها اخوته , وحتى أنه رضع من نفس الثدي أيضا , مع ذلك , لم يكن أحد يتجنب فكرة أنه ربما هبط من كوكب آخر.
ليس الأمر فورة المراهقة وحالة اثبات الذات وتمحور الشخصية , أبدا, أذكر أيامه الأولى عندما كان يبصق اللهاية ويقذف بها عاليا مثيرا عاصفة من الضحك تتبعها نبوءة عمي " هذا الولد ما ينضحك عليه ."
تلك النبوءة التي نسيها عمي , أو لعله تناساها وهو يكيل اللوم لمازن ناعتا اياه بقلة الأدب وسوء التربية .
لم يكن مازن قليل الأدب ولا سيء التربية , كل ما في الأمر أنه كان من تلك القلة التي تسمي الأشياء بمسمياتها .
لا شيء يمر عليه سهو الخاطر, كل المسلمات التي كنا نسبح معها كقرمة يحملها التيار , كانت بالنسبة له شيئا قابلا للتحلليل والمراجعة .
أتخيل أحيانا لو قدر له أن يقوم بتصوير شعاعي لرأسه , لربما يظهر دماغه على شكل حرف استفهام !
" لماذا " كانت الكلمة التي نبتت على لسانه وتبرعمت وازهرت مئات وآلاف التساؤلات التي تثير نزق ونفاذ صبر من حوله .
ببساطة , كان مازن مختلفا عنا , ليس لأنه فكر بما لم يخطر لنا على بال , وإنما لأنه عبر ذلك البرزخ العميق الذي حفرناه بخجلنا وضعفنا , بين ما نريد وما نستطيع فعله , بين ما يمكننا وما يجب علينا !
أحيانا كنت أراه وقحا أو ربما جريئا أو شجاعا و ولكن , لطالما ضبطت نفسي أتقمص دوره في خيالي , أنطق كلماته بتلك النبرة الواثقة التي تجعل محدثه يحدق فيه حائرا لأول وهلة , ثم يهز رأسه مسلما بعدم جدوى الجدال والنقاش .
عمي فقط كان الوحيد الذي لم يستسلم , هو ومازن خطان مستقيمان لا يلتقيان مهما طال بهما الجدال .
عمي الذي يتنفس الوجاهة , يرتوي بالمديح , تنتفش ذاته بنظرات التقدير وتحلق بأجنحة الثناء والانبهار , تبقى يده مشرعة لقبلة الطاعة , صك الرضى الذي بدا مازن غير آبه به وغير حريص عليه بأي حال , مردداً مقولة جدي:
" بوس الأيادي ضحك عاللحى ." مستبدلاً حقنة العَظَمَةِ تلك بمصافحة حارة وضحكة صافية , يبادلها عمي بنظرة استياء يتفشى كدرها في الهواء جاعلا كل واحد يلزم الصمت إلى حين.
كنت أخال تنافرهما أبديا , لا حل له ولا وفاق ..
اليوم عندما دخل مازن بحماس مريب , يغالب عطسة زكمت أنفه , مندفعا بقوة محاولا التقاط يد عمه ليطبع عليها قبلة طال انتظارها , فاجئنا عمي بشكل لم يتوقعه أحد, فقد سحب يده مخفيا اياها وراء ظهره , صارخا بهلع :
" واصلة .... واصلة ... الله يرضى عليك ... "
سمعت نفسي تهمس من بين الضحكات المجلجلة : " ليست كل السجالات تُحَلُ بالمنطق , بعضها تحلها الكورونا .... أو ربما شيء آخر ..."
.
ليس الأمر فورة المراهقة وحالة اثبات الذات وتمحور الشخصية , أبدا, أذكر أيامه الأولى عندما كان يبصق اللهاية ويقذف بها عاليا مثيرا عاصفة من الضحك تتبعها نبوءة عمي " هذا الولد ما ينضحك عليه ."
تلك النبوءة التي نسيها عمي , أو لعله تناساها وهو يكيل اللوم لمازن ناعتا اياه بقلة الأدب وسوء التربية .
لم يكن مازن قليل الأدب ولا سيء التربية , كل ما في الأمر أنه كان من تلك القلة التي تسمي الأشياء بمسمياتها .
لا شيء يمر عليه سهو الخاطر, كل المسلمات التي كنا نسبح معها كقرمة يحملها التيار , كانت بالنسبة له شيئا قابلا للتحلليل والمراجعة .
أتخيل أحيانا لو قدر له أن يقوم بتصوير شعاعي لرأسه , لربما يظهر دماغه على شكل حرف استفهام !
" لماذا " كانت الكلمة التي نبتت على لسانه وتبرعمت وازهرت مئات وآلاف التساؤلات التي تثير نزق ونفاذ صبر من حوله .
ببساطة , كان مازن مختلفا عنا , ليس لأنه فكر بما لم يخطر لنا على بال , وإنما لأنه عبر ذلك البرزخ العميق الذي حفرناه بخجلنا وضعفنا , بين ما نريد وما نستطيع فعله , بين ما يمكننا وما يجب علينا !
أحيانا كنت أراه وقحا أو ربما جريئا أو شجاعا و ولكن , لطالما ضبطت نفسي أتقمص دوره في خيالي , أنطق كلماته بتلك النبرة الواثقة التي تجعل محدثه يحدق فيه حائرا لأول وهلة , ثم يهز رأسه مسلما بعدم جدوى الجدال والنقاش .
عمي فقط كان الوحيد الذي لم يستسلم , هو ومازن خطان مستقيمان لا يلتقيان مهما طال بهما الجدال .
عمي الذي يتنفس الوجاهة , يرتوي بالمديح , تنتفش ذاته بنظرات التقدير وتحلق بأجنحة الثناء والانبهار , تبقى يده مشرعة لقبلة الطاعة , صك الرضى الذي بدا مازن غير آبه به وغير حريص عليه بأي حال , مردداً مقولة جدي:
" بوس الأيادي ضحك عاللحى ." مستبدلاً حقنة العَظَمَةِ تلك بمصافحة حارة وضحكة صافية , يبادلها عمي بنظرة استياء يتفشى كدرها في الهواء جاعلا كل واحد يلزم الصمت إلى حين.
كنت أخال تنافرهما أبديا , لا حل له ولا وفاق ..
اليوم عندما دخل مازن بحماس مريب , يغالب عطسة زكمت أنفه , مندفعا بقوة محاولا التقاط يد عمه ليطبع عليها قبلة طال انتظارها , فاجئنا عمي بشكل لم يتوقعه أحد, فقد سحب يده مخفيا اياها وراء ظهره , صارخا بهلع :
" واصلة .... واصلة ... الله يرضى عليك ... "
سمعت نفسي تهمس من بين الضحكات المجلجلة : " ليست كل السجالات تُحَلُ بالمنطق , بعضها تحلها الكورونا .... أو ربما شيء آخر ..."
.
ليست هناك تعليقات :