ادريس الجرماطي
تضاد...!
غريب أمر هذا المرصوص بالأزرار، كأنها سلحفاة صامتة متكلمة، أزرار على ظهرها بمثابة رموز آسرة تحكي أخبارها عبر جدار ملون، وكالشاشة التي تبعثر مخيلة الصبية إيجابا نحو التغيير، كيف للحياة أن تهدأ إذا، واللون قد تجبر، كسر خصر الحياء، وأودع الرهبة بمقاس الخوف الشديد، هو العطر والإكسير في ذات الحين، ولون السماء اختلط بالتربة ليصنع أديما يابسا، مما لا شك ولا محالة فيه أن الوضع محير، وهذا جلي حينما نرى الأسماك تعشق ضوء الشمس وتكره الماء، والوردة ترعى جبال الرماد برؤيتها المائلة المتشددة، كرجال مزقوا أسطورة الفهم، وبدلوا الأحوال إلى خواء التركيب، هي السلاسل مكبلة على الوضع، تريد أن تعيش مهلة تبطيل المعاني، المرصوص صدفة يصير في اليد كالنبي، يحاكي يدا لم تكن تعي بأن السلاسل جاهزة لتكبيل العنق بالصوت والصورة، وضع المستهلك اليتيم، يتيم هذا الكائن الذي أدى فاتورة الاقتناء غالية، شائكة، وهو يصيح:
- أأشتري يدا غير يدي تصافح بصماتي وترعدها، كيف للحزن أن يأتي من نوافذ الزجاج، عبثا هذا الذي يقع، من يرد على ضوء لا يفارق عيوني الذابلة، أصبحت كعش طائر جائع، من لوحات رقصاتها، تخالف ما كان ينوي جدي، يريد أن تكون لي شرفة واضحة، يملأها الورد الحقيقي، وطبيعة الفضاء، بدل الضوء العائم القادم من أبراج بعيدة تحطم الحرية، تلبس غطاءها الأحمر، ليالي البيضاء، كأنه اعتقال وبعده اعدام، صرت كالليلة بلا نجوم، المكان فارغ، هو وحي من اختلاط الاعوجاج بالنار ، أهي الحياة تصفع، تهدم، ودمي قلوبا تتوهم الجمال، تبرقع بالألم المستوحى من بلاد المغول، صدأ يصنع فينا غول الحداثة...
عبر الشاشة ألياف تافهة ، تخر كثور بلا حبال، ينوي طحن سنابل الأمس، وطحين الأمهات، وتفاحة مقضومة على ظهر الأزرار كأنها انتشلت من آدم القدم، كلمات لم يكن اليتيم يفهمها، كررت الكلمات وبدلتها مفردات، ووضعت نقطا على مقاس البليد، وهكذا قرأ:
- كيف تتجرأ أن تكذب من خلالي على خلانك، وأنت تدعي فيك النبي..؟ أمات فيكم رسول الحياء، أجاءتكم الأحلام ضدا على الألغام، وضربتم النورس بقذائف الأعداء، متى سمحت لنفسك أن تهيم في تشويه أغنية الحنان...؟
- أيصير العبد ربا، فبمثلي تجلت عناوينك، وسيطرت على ملكوت أنسجت الحوار فينا، دللت عزتي ومزقت وقتي، وأنا الضائع في جحودك، تأتيني رسائلك مائية بعكر السواد، وجثت لساني، وأودعت المفتاح في أقنانك السرية، تبلد الأطفال فلا أهواء تدعو لركوب الأسطول، جحودك أيضا يقاتل ألغازي التي كان جدي يعلمني إياها، ومن ألفاظك انتشلت كلماتي حوارا مع أمي، صرت الأب والأم غير أنك بلا حنان، سوقت للعفن فتجبر، هربت من خلالك الكراسي ، وأعمت الصبر لكي يصير في نهاية مطافك جلاد في سراب الوجود، دع عنك الحياة فإنك صيرتها الإعدام مع وقف الوقف، والانتظار سواد لا طبيب ينتظر بمن في قاعة الانتظار، السيف يرمي بالدم على الألحان، تبا لوصالك المميت، ضقت صبرا من أخذك الطويل لكل ما أملك، وأنت سلطان أسراري المزيفة....
- لست سيدا بما يكفي بعد، فأنا الذي أخذتكم من سلطة القيود، تبحرون في عوالم بعيدة، تتكلمون كيفما تريدون، وعشت الأكاذيب في العشق بينكم، لن أصمت ، فالدليل برهان قوي ضدك، فعيني أخذت فحواكم إلى دواخلي، فراق لكم أن تسمونني نقالا، لست نقالا ولكني الساكن في وجدانكم، في عناوين رسوماتكم، اللعنة يومئذ على أفكار بشرية، تؤدي بكم إلى الشتم والسب والقدف بدون لوحات صافية، كدت أحترق بنار جدرانكم، ونار لؤمكم، أنتم سيادة الحقد والطغيان، تبا لما يجري بينكم من عفن في التفكير، سأكسر أزراري وأرحل يوما ما عن عوالمكم الضالة..
- كيف ملكت حق التباهي بإصغاءاتك الكثيرة لما يجري بيننا، سأكسر فحواك وأنهي أمرك، فلا يمكن لك أن تسيطر على دقات القلوب، وتزرع التفرقة بين العقول، وتوصل الأقراح والأفراح بطريقتك الهشة، سوف تموت بين دفات أوساخك، ويرجع الكون إلى صيغته الأولى، وحينها يصبح التاريخ أكبر مندد بأنك كنت الزيف، الواشي بالنكران لمن ضحوا في سبيل الوجود، وحطموا البياض...
سئم الهو من الجحود، ترديد الأهواء بدون هواء، حتما الاختناق يبقى العنوان الأكبر، سيسجل التاريخ أزمة اللقاء، وفوضى الإنسان، والبحث عن رذائل الآخرين ضربا إياه في عمق الأصل، كما تكره الأخلاق تماما، هي علامات توحي بصفع الجمال...
قرر اليتيم بيع الأسلاك المختفية فيه، اعتذر لأصدقاء "الفايسبوك"، وعزم على ترك دولة "الواتساب"، وفي سوق المتلاشيات عرض هاتفه النقال، فراقا مع عدو محتمل...
وبعد أيام، تداول الهاتف بين المشترين، وصدفة يشتريه أحد المقربين للسيد اليتيم، عجبا تتكرر الأحداث عبر رسائل تسجيل بين صديقه القديم، لم يدم الهاتف النقال طويلا، لأنه تعطل بفعل الارتباك في تواصل اعوج فيه سطر الحقيقة...
الأجهزة نارية، هي الثعابين، سم يتودد إليه العديدون..
وفي صمت كلي، تتلذذ الآلة بنقصان في الأخلاق، بفقدان البوح، وهي القلوب من تتألم في الأقفاص، فلا يزداد في الوجود غير الجراح، بفعل الهاتف النقال، ينسج التضاد في أفق البشر....
ادريس الجرماطي
ليست هناك تعليقات :