رابط صفحتنا الرسيمية

» »Unlabelled » زياد طارق العبيدي ليلةٌ أخرى.... قصّة قصيرة


زياد طارق العبيدي 


ليلةٌ أخرى.... قصّة قصيرة

رِزمةُ أوراقٍ... منضدةٌ قديمةٌ،
مِذياعٌ تحومُ حولَه الأخبارُ ،
سريرٌ من الهمومِ... وبعضُ الملابسِ المتناثرةِ هنا وهناك
هذه هي غرفتي الّتي ما زِلْتُ مصرًّا على البقاءِ فيها أتنفّسُ هواءَها الثّقيلَ لأنّها تقعُ في الطّابقِ الأرضيّ من عِمارةٍ كبيرةٍ
متهالكةٍ يسكنُها العديدُ من النّاسِ بمختلفِ شرائِحِهم الاجتماعيّةِ وحالاتِهم المادّيّةِ.
الحلّاقُ أيوب يسكنُ في الطّابقِ الأوّلِ مع زوجتِهِ الّتي لم تُنجبْ حتّى يومِنا هذا بالرُّغمِ من مرورِ خمسِ أعوامٍ على زواجِهِما تخرجُ كلَّ صباحٍ وتعودُ عندَ المغيبِ قبلَ أن يعودَ أيوب من صالونِ الحِلاقةِ الّذي يمتلكُه في نهايةِ الشّارعِ ومعها حقيبةٌ سوداءُ كان الفضولُ يقتلُني كي أعرفَ ما بها، في الطّابقِ نفسِهِ يسكنُ كمال موظّفٌ بسيطٌ جدًّا ويتقاضى راتبًا متواضعًا لديه أربعةُ أولادٍ وابنةٌ واحدةٌ.
كانَتْ زوجتُه لا تكفُّ عن الصّراخِ ليلَ نهارٍ حتّى أنّني تخيّلتُها مجنونةً وأحيانًا تنظرُ إليّ بغضبٍ وكأنّني سلبتُها حقوقَها في الحياةِ، كانَتْ دائمةَ التّذمّرِ من صعوبةِ الظّروفِ والحالةِ المعيشيّةِ والأطفالِ.
كانَ أيوب يخرجُ إلى عملِهِ صباحًا وهو يتأمّلُ أطفالَ الموظّفِ كمال وهم يذهبون إلى المدرسةِ ويكادُ يفترسَهم بنظراتِه، كنْتُ أعرفُ أنّه يتمنّى أن يكونَ له طفلٌ واحدٌ فقط حتّى يشعرَ بهذه المشاعرِ الأبويّةِ الّتي يعاني من فقدانِها ، لكنّه كانَ مبتسمًا على الدّوام وعلى استعدادٍ لأن يتحدّثَ معكَ مطوّلًا دون أن تشعرَ أنَّ للحديثِ نهايةً:
كنْتُ وقتَها أدرسُ في كلّيةِ الإعلامِ وأعملُ بعدَ دوامِ الكلّيةِ في مطعمٍ متواضعٍ يقدّمُ المأكولاتِ الشّعبيّةَ.
كانَ العملُ متعبًا لكنّه يوفّرُ لي الاستمرارَ في دفعِ إيجارِ الشّقّةِ
الّتي لا تزورُها الشّمسُ إلّا لبضعِ دقائقَ قبلَ أن تختنقَ وتهوي نحو المغيبِ. كلُّ شيءٍ حولَه يوحي بالتّعبِ، أسندَ ظهرَه على جدارِ المطعمِ من شدّةِ الإرهاقِ ودونَ سابقِ إنذارٍ غطَّ في نومٍ عميقٍ لم يشعرْ إلّا وهو في مركبٍ جميلٍ يمخرُ عُبابَ البحرِ ومن حولِه طيورُ النورسِ تحلّقُ بهدوءٍ والبحرُ ما زالَ في هدوءٍ تامٍّ تتأرجحُ مخيّلتُه مع تأرجحِ المركبِ الّذي كانَ يميلُ
يمينًا وشمالًا فشعرَ باهتزازٍ غريبٍ استيقظَ على إثره ليرى صاحبَ المطعمِ وهو يقفُ أمامَه، كانَ يتوقّعُ أن يعنّفَهُ غيرَ أنَّ صاحبَ المطعمِ قالَ له : " يبدو أنّكَ متعبٌ هذا اليومَ ، بإمكانِكَ أنْ تأخذَ استراحةً لما تبقّى من النّهارِ. استغربَ من كرمِ صاحبِ المطعمِ الذي يعرفُ أنَّ تعاملَه في غايةِ الصّرامةِ والحزمِ، لكن من الواضحِ أنّه شعرَ بالتّعبِ وطلبَ مني أن أخذَ استراحةً لبقيّةِ اليومِ.
شكرَته بكلِّ لطفٍ وغادرَت المطعمَ
إلى شِقّتِي البائسةِ وما زلت أتذكّرُ هدوءَ البحرِ والنوارسَ ، وأنا أقتربُ رويدًا من شِقّتِي وبالرّغمِ من التّعبِ ما كنَتُ أتمنّى أن أصلَ إليها لأنّي أشعرُ بانقباضِ صدرِي وضيقِ تنفّسِي حين أدخلُ الشّقةَ الّتي هي عبارةٌ عن غرفةٍ في زاويةٍ منها حمّامٌ صغيرٌ يزيدُ الغرفةَ رطوبةً
ومطبخٌ في الزّاويةِ الأخرى تنعدمُ فيه التّهوئةُ فأكادُ أختنقُ من روائحِها. استلقى في سريرِه منهوكَ القِوى وغطَّ في نومٍ عميقٍ على أملِ أن يستيقظَ على يومٍ أجمل....
شعرَ باهتزازٍ غريبٍ ورجّةٍ عنيفةٍ وأصواتٍ كثيرةٍ، الغرفةُ مظلمةٌ والدّخانُ يملأُ المكانَ والأشياءُ تتساقطُ من حولِه دونَ أن يعرفَ ما يحدثُ، شعرَ بصعوبةِ الحركةِ فحاولَ الخروجَ من البابِ فكانَ موصدًا ولم يتمكّنْ من فتحِه صراخٌ وأصواتٌ ووقعُ أقدامٍ في كلِّ اتّجاهٍ لم يعرفْ ماذا يحدثُ شقَّ طريقَه عبرَ نافذةِ المطبخِ لكنّها كانتْ ضيّقةً بدأَ يضربُ بها كي تتّسعَ لخروجِه فباءَتْ محاولتُه بالفشلِ وما زالَ يسمعُ أصواتَ تساقطِ الأشياءِ من حولِه ممّا زادَ من دهشتِه وارتباكِه.
وبعدَ معاناةٍ ممزوجةٍ بالخوفِ استطاعَ الخروجَ وهو يلتقطُ أنفاسَه بصعوبةٍ ليرى هولَ الكارثةِ، لقد سقطتِ العمارةُ ، لم يستوعبْ ما حدثَ ، الجميعُ يركضُ في كلِّ اتّجاهٍ وأصواتُ الصّراخِ في كلِّ جانبٍ من حولِه ، لكنّه توقّفَ وهو ينظرُ إلى الحلّاقِ أدم وهو يحتضنُ أولادَ الموظّفِ كمال ويحملُهم بعيدًا عن الرّكامِ المتساقطِ . حاولَ الوصولَ إليه ومساعدتَه لكنَّ أدم كانَ أسرعَ منه فأخذَ الأطفالَ بعيدًا عن مكانِ الحجارةِ المتساقطةِ ، ماذا حدثَ يا أدم؟ : العمارةُ سقطَتْ أظنُّ بسببِ الرّطوبةِ" أينَ زوجتُك ؟ ماذا حصلَ لها ؟ أينَ هي؟
قال: " ما زالَتْ في داخلِ الشّقةِ لم أرَها بسببِ الظّلامِ، لكنّني سمعتُها تصرخُ ثمَّ اختفى صوتُها "
أينَ الموظّفُ كمال وزوجتُه؟
لا أعرفُ غيرَ أنّني عندما خرجْتُ لم أرَ أو أسمعْ غيرَ صراخِ الأطفالِ بقربي فحملتُهم وخرجْتُ مسرعًا دونَ أن ألتفتَ ورائي ربّما لن ينجوَ أحدٌ من تحتِ الرّكامِ .
أنظرْ إلى حجمِ الدّمارِ


عن المدون International Literary Union Magazin مجلة إتحاد الأدباء الدولي

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد