رابط صفحتنا الرسيمية

» » الأديب جواد الحطاب\ العراق يوسف الصائغ .. وأنا .. وسلاما أيها الفقراء



 

الأديب جواد الحطاب\ العراق 


يوسف الصائغ .. وأنا .. وسلاما أيها الفقراء

...................................................... جواد الحطاب

بداية السبعينيات ..


كان الشاعر يوسف الصائغ يشتغل في مجلة (ألف باء) التي كان مقرها في(دار الحرية) على تخوم جسر الصرافية بمنطقة الوزيرية..

وكنت من اشد المعجبين بكتاباته فيها.. وفي ما ينشره من قصائد؛ حتى إنني عقدت صداقة، بيني وبينه من طرف واحد؛ هو طرفي بالتأكيد ؛ وعلى أساس هذه الصداقة- المفترضة – أعطيت لنفسي حق أن "يتشرف" الصائغ بقراءة مخطوطة ديواني"سلاما أيها الفقراء" !!

.

وهكذا.. في أول زيارة لي لبغداد قادما من البصرة؛ اصطحبت "المخطوطة" وذهبت مباشرة إلى مقر المجلة ؛حيث دلّني الفرّاش على غرفة "القسم الثقافي" التي فيها يوسف الصائغ .

.

إلى هنا والأمر طبيعي، وقرار رؤيتي للصائغ وتشرّفه بمعرفتي ما زال قائما في داخلي ؛ لكن الأمور كلها تغيّرت فيما بعد !! فما أن صرت بمواجهة الغرفة وصار يوسف الصائغ بمواجهتي من خلال باب "القسم" المفتوح على مصراعيه !!

.

كل خجل البصرة وحيائها تلبّسني، بحيث لم اعد أميّز خطاي ولا إلى أين يمكن أن تقودني ؛ فانزويت في "الممر"حائرا.. لا اعرف ما الذي سأفعله لاحقا أو ما هي خطوتي القادمة.

في هذه الأثناء غادر الصائغ القسم الثقافي مارا من جانبي وداخلا في الممر الطويل؛ فوجدتها فرصتي الذهبية في أن اترك له ديواني ومعه قصاصة اخبره فيها باني عائد إلى البصرة لبيت عمي في الزبير وسوف أزوره في الأسبوع القادم لأعرف رأيه .

.

وفعلا دخلت إلى غرفة الصائغ وسألت عنه ؛ فأجابني رجل(أظنه كان صادق الصائغ) بان يوسف قد خرج الآن وسيعود قريبا وبإمكاني أن انتظره ؛ فالتمست منهم أن اترك له هذا الدفتر على مكتبه وأمرّ عليه لاحقا؛ فأشاروا إلى مكانه الذي رميت عليه ما بيدي ولذت بالفرار قبل أن يأتي شاعري العظيم .

.

حين غادرت مبنى المجلة تنفست الصعداء عميقا ؛ لاعنا حماقاتي المتكررة؛ ومتسائلا مع نفسي ما الذي كان يمكن أن يفعله بي الصائغ وهو يقرأ"شخابيطي" التي أسميتها قصائد ظلما وعدوانا.

مرّ الأسبوع .. والثاني ؛ وفي الأسبوع الثالث جئت إلى بغداد ولم تسعفني الجرأة لأمرّ على يوسف الصائغ وأعرف انطباعه ؛ وحين تكررت الأسابيع تناسيت الأمر كله .

.

منتصف السبعينيات انتقلنا إلى بغداد بحكم وظيفة والدي العسكرية؛ وصرت احضر أماسي اتحاد الأدباء ؛ وتعرفت بشكل شخصي على اغلبهم ؛ وبقي في داخلي سر قصائدي و..يوسف الصائغ ؛ حتى أنني عندما كنت أزوره في جريدة "طريق الشعب" الكائنة في مقرها القديم بالقرب من سينما بابل في شارع السعدون؛ لم اشأ أن أغيّر نظرته عني بان اذكّره بالأحمق الذي ترك له مخطوطة ديوانه قبل سنتين في مجلة ألف باء وهرب !!

.

بقي هذا الموضوع سرّي الأجمل حتى بعد أن أصدرت المخطوطة واشتهر"سلاما أيها الفقراء" وصار موضع ترحيب الصحافة والإعلام وخصوصا من جريدة"طريق الشعب" التي كان يعمل فيها الصائغ يوسف .

.

بعد إعلان الحرب بين العراق وإيران طُلبت مواليدنا إلى الخدمة العسكرية ؛ وتم سوقنا إلى جبهات القتال؛ وفي كل إجازة كنت احرص على رؤية الشاعر الذي صار صديقي والذي تشاركت معه في أكثر من"مربد" ومهرجان شعري.

.

في إحدى الإجازات قال لي الأصدقاء الذين يعرفون محبتي للصائغ : أن صديقك يوشك على الانتحار؛ فقد اعتزل الناس وانتبذ الجميع بعد أن نشر سلسلة من الاعترافات على "حزبيته" الشيوعية ؛ عدّها- فيما بعد – واحدة من أكثر احباطاته الحياتية والأدبية؛ وهو الآن في بيته في المنصور..يشرب فقط؛ ولا يسمح لأحد بان يزوره !!

.

يذكر أصدقاء تلك المرحلة بأنني كنت على علاقة حب مع إنسانة رائعة اسمها ياسمين(بطلة كتاب يوميات فندق ابن الهيثم) جميلة..ومهذبة .. وصديقة للجميع؛ فأقنعتها أن نذهب لزيارة الصائغ..

خشيتْ أن يطردنا .. أن لا يفتح لنا الباب ؛ كما فعل مع من سبقنا ؛

لكنه يوسف صحت بها !!

وأمام إصراري وقلقي عليه وافقتْ .

.

بعيدا عن باب داره أوقفت ياسمين سيارتها ؛ واتفقنا أن تكون هي بمواجهة الباب ؛ لان قيل لنا يومها أن الصائغ قد جعل منتبذه في "الهول" الذي يطل على الحديقة ويراقب من خلال ستائره الباب الخارجي لمعرفة الوجوه التي تأتي لزيارته .

قلت لها : أما أنا فسأبقى "خاتلا" وراء السياج وبالقرب منك .

قرعت ياسمين الجرس.. فانزاحت الستارة المقابلة؛ وبعد قليل جاء يوسف ليعرف من هذه المتطفلة الجميلة التي طرقت بابه؛ وفوجئ بي أقف بقربها !!

قال محتدما " لو لم تكن هذي معك- وأشار إلى ياسمين - لما استقبلتك .. لكن تفضلوا" 

ثملا كان ..

مدمّرا بشكل حقيقي ..

أمامه قنينة عرق؛ وبضعة زيتونات ؛ وقطعة جبن ..

.

لم أشأ أن اسأله عن حاله أو ما الداعي لان يسوّي بنفسه هكذا ؛ فتحدثنا عن الحب ؛ وعن ياسمين ؛ وعن الشعر؛ ولأخرجه من ضغط حالته النفسية قلت له : سأروي لك واحدة من حماقاتي يا أبا مريم ..

وقصصت عليه قصة الفتى البصري المجنون به ؛ والذي ترك له مخطوطته وهرب، على أمل أن يعود من البصرة في الأيام القادمة ويعرف رأيه فيها ..


.. كنت اروي حادثة..لا غير؛ ولم يكن لي قصد من ورائها على الإطلاق ؛ ولذلك استغربت حين طلب مني الصائغ أن أتوقف عن الحديث متسائلا بطريقة لم افهم تفسيرها : هو .. أنت ؟؟

قلت له – محاولا تخفيف الموقف الذي تحول إلى جاد وجاف – نعم .. انه أنا .

نهض الصائغ بدون أن يقول لنا ما الذي سيفعله؛ وسط دهشة ياسمين ونظراتها التي كانت تطلب مني تفسيرا ما ..

بعد دقائق عاد إلى الغرفة حاملا مغلّفا باهتا ؛ وجلس في مكانه قبالتنا وارتشف كأسا كبيرة .

: يا جواد هذا هو دفترك ؛ واخرج وسط دهشتي من المغلف الباهت مخطوطتي القديمة نفسها !!

وأكمل : خلال السنوات الماضية تنقلت إلى أكثر من بيت..وأضعت كتبا ثمينة ؛ ومخطوطات ؛ لكني كنت حريصا على أن أضع تحت إبطي دفترك لأني كنت أقول إن وراءه شاعر وسيأتي اليوم الذي يواجهني فيه ويطلب مني أن يسترد وديعته !!

ثم .. سحب قلما كان بقربه وكتب الأسطر التي استنسخها أمامكم الآن ..

متذكرا فيها حتى أنني قلت له في قصاصتي التي وضعتها على المخطوطة بأنني سأذهب إلى الزبير؛ فظنّي من أهاليها .

.......

......


تحية إلى روح يوسف الصائغ في هذه الليلة ؛ 

والى شاعريته التي قلّ نظيرها في أدبنا العراقي والعربي .

.

.

.

شرح الصور

..............

من على المخطوطة ..


الصورة الاولى : انت الآن اقرب الشعراء الشباب الى نفسي – 1983

.

الصورة الثانية : جواد الزبيري .. الملقب بجواد الحطاب / شكرا .. ما ضاعت صداقة عشرة اعوام - يوسف الصائغ

.اهداء لي ثبّته على مجموعته الكاملة التي طبعتها له دار الشؤون الثقافية بعنوان ( قصائد)




عن المدون International Literary Union Magazin مجلة إتحاد الأدباء الدولي

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد