الفائز الثالث
صداع حبي النصفي
نورا حلاب \ لبنان
"صداع
حبي النصفي
"
زوجي
العزيز ..
ضاق
متسع العتب عليك هذا المساء،سقطنا معا
في هوّة منتصف العمر ، وما تبقى منه لم
يعد سوى مساحات للغفران او لتبديل اثواب
النسيان ..
اغفر
لك هذا الصباح قيد قرارك العنيد الذي طوقت
به معصم قلبي ذات مساء بعيد ، حين قررت
الهجرة للعمل في الخارج بحثا عن رزق اوفر
، رفاهية اوسع وفسحة اضافية من الحرية
كنت تشتهيها ضمنيا من وقت لآخر ...
ودعتني
حينها بعناق باهت ، وحين تصدرت انظاري
لوحة ظهرك المغادر ،،،قرات عليه بالخط
العريض ..."
انا
مسافر ،،، هيا ايتها المرأة القديرة تدبري
امرك من دوني "
.. ولم
اكن حينها سوى سمع صاف وطاعة عمياء ،، عود
من الزنبق الأبيض الفواح ، كيفما هزته
الريح تمايل وعطّر الأثير ....
وكان
علي التكيف مع ذاتي الجديدة ، لأكون الأم
والأب صباحاً، اللبوة في ميدان الحياة
ظهرا ، و الحاضنة الحانية مساءأ حين ، حين
اعدّ لطفلينا حمامهما وعشاءهما على وقع
حكايات جدتي واساطيرها التي كانت تفقد
بغتة صلاحيتها ، حين يخيّم حضور غيابك
الأليم
ويتوه اطفالي في ارجاء البيت يبحثان عن
رائحتك وبحة صوتك .....
وكنت
اسارع لأتدارك انتكاسة الحماس المفاجئة
، فاسعى لإشعالها مجددا بهمروجة فرح
مفتعلة ساعية لخزانتك بهدف تقمصك .....
ارتدي
بنطالك وقميصك واعقد ربطة عنقك ، اضع
نظارتك واباشر في استعراض "
فخامة
ابوّتك "
فابدو
كالمهرج ويجنّ طفلاي ويقفزان فرحا
....فيطّوق
الصبي ركبتي محاولا تحسس جلدك بين طيات
القماش ، بينما تتعلق طفلتي في رقبتي
لتشمّ رائحتك من ياقة قميصك الأبيض وخيط
عرق رفيع تركته طاعنا عليها بالأصفر ..
وكنت
اقلدك في حركاتك ، قهقهاتك وثورة الغضب
في صوتك ، فتتعالى الضحكات وترتفع الأهازيج
حتى ينهك التعب الصغيرين ،، فافرش لهما
بزّتك بعرض كتفيك على عرض سريرنا الأبيض،،
يتكومان داخلها ، اقفلها عليهما واحضنهما
بساعدي الأيمن وبالأيسر اضم الى صدري
وسادتك الخالية وعينيك الحانيتين ...
وكنا
نوافيك في العطلة الصيفية الى ذاك البلد
البعبد ، حيث المرأة تعيش في زنزانة بالف
حسيب ورقيب ، حيث عملك المستهلك الكبير
الذي يلتهمك اخضرا عند الصباح ، ليطرحك
يابسا مصفرا عند المساء يهدك تعب وجوع
مزمن ، للحب تشبعه بكسرة يابس ، بدل تشكيلة
فاكهة استوائية تدعوني اليها ..
ورغم
ذلك كنت استيقظ نضرة منتشية بفعل اكسير
حنانك الثمين تملأني رغبة الأنثى الأزلية
في التنسيق والترتيب ، فانفض فراشك ، ارتب
سريرك ، اكوي قمصانك المّم احذيتك واعلق
على باب خزانتك بالتدريج احزمتك الجلدية
، واقضي الساعات اجمع فيها تواءم جواربك
المفقودة في ادراج الفوضى .
وكانت
العطلة تنتهي بوداع يوازي بحماسته روعة
الأسقبال وادرك بحدس الأنثى فادرك انك
وللأسف بتّ تفتقد بيت العازب المعتاد
وكنت
اعود مثقلة بصناديق الحب الوهمية والأنوثة
الخاسرة ، علب الهدايا ورُزم الورق الأخضر
الذي ابدل بمفعول سحره ....
سيارتي
، اثاث بيتي وستائري ثم افشل في تبديل ذاك
القهر المتنامي وهذا الخذلان المورق في
داخلي ....
في
احضان الصبر كنت أجهش وارتمي فيتسع حينا
ويضيق غالبا ، فاهاتفك بادمان لأرتجي من
نبرة صوتك الحنان والأمان والأهتمام ،
فتجيبني باتزان مفرط عديم الأحساس او
تتجاهلني بتشفّ واكاد أُجَنّ ،فأهدد و
اتوعّد ، فتعدني انك ستقضي معي عطلة
الأعياد ، كي تراقصني رقصة العيد بوجهين
، احدهما اللقاء والآخر الوداع ....
وكانت
ليلة العيد البارحة ...
وكنتَ
تنهل من بركتها ..جدا
سعيد ، فتسوّر خصري هائما واسوّر بانظاري
حلبة الرقص مفتشة بين صفحات الوجوه من
حولي عن توأم يشبهنا او يرقص على مسرح
الحياة رقصتنا ، ليشعل بعدها في مخدعه
شمعتين وبصغي الى الموسيقى في مقطوعتين
ثم يختصر اسطورة العشق في قبلتين متزنتين
لأكتشف بعدها ان العمر صار محرَجاً ، صهيل
الحصان انقلب همسا وزئير الأسد في خبر
كان ...
هذا
الصباح ودعتك فطبعتَ على جبيني قبلة باردة
، على وجنتي اثنتين فاترتين وسالتني :
سعيدة
انت ؟ ؟؟ لم يسعفني لساني واغرورقت عيناي
..
على
الشرفة اخذت اتفرّس بك واتاملك مغادراً
، ارقب خطواتك ، الحماس يتدافع بين خطوتي
اليمين والشمال ، السائق يفتح لك الباب
،ياخذ عنك الحقيبة فترتمي في مقعدك واكاد
اسمع تنهيدة راحتك والخلاص ....
عند
ناصية الشارع ، اتامل اتأمل المبنى قيد
الإنشاء ،،، الحارس وزوجته وشبه غرفة من
حجر الخفان ..
المراة
تحمل صينية ركوة قهوة وفنجانين وعلى وجهها
يطفو حبور منتعش لا يفهم لغزه سوى النساء..
الله
معك يا هوانا يا مفارقنا ....تشدو"
فيروز
"
حكم
الهوى يا هوانا واتفارقنا ..
يغمرني
وهن شديد فاعود لفراشي حيث وسادتك المجعّدة
، بقايا ملامحك المؤنسة وانفاسك التي
تلفظ آخر انفاسها .
افتح
صفحة التواصل الأجتماعي وعلى صفحتي اخطّ
حرفا سيطوف الكون وتضجّ به الدنيا وهو
يروي للعالم قصة صداع حبي النصفي المحفور
على جبين قصتنا ...
ليست هناك تعليقات :