علي البدر - العراق
لقاء لابد منه" قصة قصسرة
ولم تَنفعْ وعودُ معلَّمِنا الطيِّبِ بأننا سنكونُ سُعداءَ في الجنَّةِ ، نأكلُ ونشربُ ما نشتَهي . تَجري من تحتِنا الأنهار. أعمالُنا هي التي تَشفعُ لنا. أّشجارٌ ثمارُها قريبةٌ وخدمٌ حولَنا وحياةٌ سعيدةٌ أبَدِيَّة. كلامٌ ما زلتُ أذكُرُهُ وأذكرُ لحظاتِ استغرابِهِ عندما سألتُه عن أنهارِ اللبَنِ والعسَلِ وهل أَستطيعُ السِّباحةَ فيها...ضحكاتٌ بريئةٌ تَعالَتْ مِن هنا، وهَمْسٌ وكَركَراتٌ مِن هناك، حاولَ المعلمُ تلَافيها لكنهُ لمْ يَستَطِعْ..
وعندَما تَحلَّقوا حَولي وأخرَجوني بِرِفقٍ، شَعرتُ بِنَوعٍ من الآطمِئنان. وجوهٌ أعرفُها وأخرى غريبةٌ لم أألفْها. بعضُهم يَبكي بِحِرقةٍ وآخرونَ تبدوا عليهم لوعةُ الحُزن. ساعاتٌ مَرَّت ثقيلةً. ظلامٌ في كلِّ مكان. هدوءٌ مُريبٌ. كنتُ أكسُرُ صَمتي وأنا أقرأُ أو أكتبُ، باستِماعي إلى تلاوةِ قرآنٍ كريمٍ أو عزفٍ للسمفونية التاسعةِ أو السادسةِ لبتهوفن أو موسيقى ياني العذبةِ أو أندِريا ريو. يا إلهي ماذا دَهاني الآنَ؟ ها أنا أبحثُ عن قلمٍ وقصاصاتِ ورقٍ أُثَبِّتُ عليها أحساساً غريباً. حاولتُ فتحَ عَينَيَّ وتمزيقَ غطاءٍ أبيضَ طوَّقني فلم أستطِع. أصواتٌ مرعبةٌ أفزعَتني، أزاحَت سِتارَ الإطمِئنانِ وأنا جِوارُهُ. قَدَمٌ تَبدو لرجلٍ ثقيلٍ داستْ على صَدري.
- قُم يارَجُل. أييُّها السارقُ المخادِعُ المُتَسكِّعُ في الشوارِع. قالَ أحدُهم.
- وَهل في سِجِلِّكَ يا سَيِّدي أطفالٌ جياعٌ، قُتِلَ أبوهُم في حَربٍ مَجنونة؟ قُل لي ياسيِّدي أرجوكَ عَن أُمِّ ماتَتْ مُنتَظِرةً عُلبَةَ دَواء! أرجوكَ يا سيدي أبْعِدْ سَوطَكَ عني.
ولم تُنسِنِ تلكَ السِّياطِ كَركَراتِنا ونحنُ صغاراً، لكنَّ حُلمي بأنهارِ اللبنِ والعسلِ لابدَّ أن أنساهُ.. ألفُ عامٍ مَرَّ ومازالَ الوصولُ إلى الهاويةِ مُستحيلاً. جُسورٌ تَمُرُّ عليها الحشودُ أسرَعُ من البرقِ ويختفي آخرونَ تحتها، ووجوه لاتُحصى أعرُفُها، تمُرُّ مُسرِعةً. وجهٌ سَرَقني وامتصَّ دَمي وحاول في المعتقل انتزاع إعترافاتي على رفاقي ، وآخرُ ساوَمَ على مَأساتي وآخرون باعوا شَعبي للأجنبي وأنا أنزِل أنزِل أنزِل. ياتُرى.. هل أسرُقُ ثانية عُلبةَ دَواءٍ و قطعةَ خًبزٍ لأطفالٍ جياع؟ ربَّما، في الألفِ الثانيةِ أوالثالثةِ أو الرّابِعة...
ليست هناك تعليقات :