رابط صفحتنا الرسيمية

» » د. المفرجي الحسيني\ العراق مـــــــــدن الـــــــخوف



د. المفرجي الحسيني\ العراق

مـــــــــدن الـــــــخوف
---------------------------
كان الغروب قد أنتهى من نحر شمسه فتطاير دمها القاني في الفضاء
محدثا وحشة عارمة
تمدد سكونها ثقيلا ملتماً بليل أغطش
النور لا يخرج إلاّ من القتامة
نعرف ما تخبأ تحت جلد مدن الخوف
حيث يسود الخداع وتختفي الحقيقة
عندما تضحك تمنح الحزن متسعا لأن يداهمك ببطء؟
الليل منفذ واسع للهروب من تلك الآهات التي تثقب الصدر
حياة مملة وباردة
يمضي يومك وانت منشغل بلوازم حياتي جامدة
واذا ازدهر أمل طارئ في حياتك
فهو فرصة بأن يتحقق في الايام القادمة
حين يلمح الشمس تنتحر انتحارها اليومي وتعبر قرصها في المدى
ينتفض ويعود من حيث أتى لتبتلعه الازقة الضيقة في جوف القرية
لم أكن أعرف أني كنت أتجه ولكن اتجهت بلا تردد
نحو نداءاتي الداخلية التي كانت لتسحبني بقوة
بعد أن شلّت كل إرادة فيّ
كنت من حين لآخر أقاوم سطوتها الكبيرة
لكن لم أتمكن من توقيف اندفاعي الذي أعادني الى شيء
كثيرا ما هربت منه في أحاديثي لنفسي
الدنيا تخّط مصائر البشر لكنهم قليلا ما يعلمون
كانت قاسية وكل شيء يلوّح في الافق بشكل مخيف
لم أكن أبحث عن حروب المجد لكن حربي كانت في أعماقي
يصيبنا العمر أحيانا
فلا ترى في غنى الدنيا كلها إلاّ ظلالنا ألصغيرة
أغمضت عينيّ لكن لا أرى شيئا
واحدّق فقط ان ما كان يحدث امامي كان حقيقة
لم يكن مجرد حلم عابر
لا ادري اي قدر قادني ولكنّي وجدت نفسي ها هنا
رماد علا الدنيا وعيون لا تبصر الاّ قليلا
كومة من نار وحجارة وكثير من التأريخ
لكن أغمضت عيني ولم أسأل عن الباقي
وحده الزمن سيدّلك على الصواب عندما يفقد الاخرون صوابهم
أما التأريخ فلا تتوقع في هذه الحالات ان يقول كلمة على عجل
القتلة قلما كانوا يعودون لانهم قلما تركوا خلفهم شيئا يشي بالحياة
حتى المواشي كانت تجاور جثث اصحابها
تموت ميتة تتساوى فيها اخيرا مع الانسان
لو....في النهاية اذا كنت تنفرد بالحياة نحن نتساوى امام الموت
لا يهم....بفضل الناس ما تمليه عليهم دواخلهم هي الاهم
لكن الجُبن إرث سيء
اليوم يوم العمر والسنوات تعود ولا شيء فيها يشابه
سوى القمر الذي يمضي بسرعة البرق
أريد أن أتريث قليلا ان املأ صدري بالهواء
لأني كلما تذكرت أيامنا لا انسى ابدا لحظة السعادة
التي كانت تخنقني وكل ما سأرويه عرفته لاحقا
عندما وقفت وجها لوجه امام الايام
لا ادري كيف أسميها الصدفة أم الحظ
إذ نفقد اللحظة أحيانا في كل شيء بما في ذلك مواصلة العيش
تتحول أحيانا الى شعلة مضيئة ولكنها حارقة ايضا
لا قوة في الدنيا تستطيع الوقوف في طريقها
لقد أقسمت ان أحافظ على الذاكرة مُتقدة
فقدنا كل شيء ولم نفقد حقنا في الحياة
سرقوا من حضني كل لحظاتي واحلامي
لم تكن الحياة مغلقة هناك دائما خيط نور
يأتي بالصدفة نلتصق به حتى النهاية
يعطينا بعض الرغبة في الاستمرارية
توجد دائما في حياة الانسان لحظة غريبة
لا يعرف كيف يفسرها ولا يدرك سرها ابدا
لكن تضع كل شيء في حياته القادمة
علمتني مسالك الحياة القلقة ان اثقف عقلي
وأنا أتحمل الزمن محمل الجد
تخبئ لنا الاقدار ما تشاء
لكنها تمنحنا أحيانا مسالكها بسخاء
كانت طرقي وعرة ولكني وصلت متأخرا
كنت متعبا ومنهكا في داخلي
بحاجة ناسة الى الراحة بعد الحرائق التي نشبت فيّ
ينتابني حزن غريب يعبر داخلي كضباب الضفاف المغلقة
لا أدري إذا كان للحزن طعم ولكني شعرت به مالحا
ظلمة في الخارج زادت عتمتها
خوف غامض استقر نهائيا في سؤال معلّق حائر
لم يكن يعرف متى يخرج
ولا متى يتحول الى صرخة مجنونة
تخترق الصمت الذي أطبق على القرية
نعم هكذا كلما مروّا على حياة القرية أبادوها ونحروها
ستقتل أنانيهم هذه الارض وستجهز عليهم في النهاية
كانت القرية مليئة بالأحلام
كانت تظن ان عموم البلاد سترفع رأسها بسرعة
لكن بسرعة ايضا عرفت أنها ستظل تدور في حلقة مفرغة
زمن القرية القاسي لا يحفل بدموع الثكالى مثل الاغاني
أنت لم تعد تثير أحدا
ماتت الاشواق القديمة تحول كل شيء أصداء خبر
صباح القرية لم يكن كغيره من الصباحات
ازقة رحلت من جذورها تجّر ورائها صراخ
جوع احتجاج وغضب
تتنصل القرية بكاملها من عمق التربة
كجذور شجرة هزتها الرياح العنيفة
تتقطع أوردة الاقبية وتخرج
تكّفن نفسها حسرة عميقة وآلاما
لا تحدو ولا تطاق وبصمت لِيَمت الصمت في مكانه
ولَتمت كل نداءات الموت حيث هي
أنا لا أسمع شيئا إلاّ هدير الخوف الذي ينبت في الاعماق
علقا أعمى ونيرانا تلتهم كل شيء
أنا لا أسمع سوى تلك الرعشة الخفية التي لا قرار لها
ليس مهما قد يبدو الان كل شيء هادئا ضبابيا
مكسواً بالبياض الذي يعِّم من حين لآخر الذاكرة
يزيغ نحو مدافن لا نريدها في الاصل
لم يبقى في العمر الشيء الكثير
ربما ايام ويكون الطلب كبيرا ربما مستحيلا
لكنها في كل الحوال في قبضة الزمن
يتساوى فيه وأمامه كل شيء
أستغرب أحيانا كيف أزكم الزمن أنوفنا
لم نعد نتنبه لكل هذه التفاصيل
العمر يعذبنا عندما نتذكره
تردعنا الحواس كلها عندما نطلبها لنفسها
قليلا ريثما يهزنا ملاك الموت
لتأت الاشياء وفق ارادتها في وقتها
نحن لا نصنع الحياة التي نرغب
فقط الحياة ايضا تصنعنا مثلما تريد
تدس في أجسادنا ما ترغب من جنونها وقنابلها الموقوتة
أغلقتُ كل المنافذ
لكي لا أرى حزني وانكساري في أعين القرية
هدأ الصراخ والبكاء ونحيب الناس
الذين استسلموا لِقدرٍ كانوا يجرّونه امامهم
ناس القرية في البداية كانوا مذعورين
لكن منذ اللحظة التي أصبحت تحت الشمس
هدأ كل شيء في حاله من الاستسلام الغريب القريب من الموت
كل شيء انتهى وحلّ الصمت كان الويل والبكاء
دفن غالبية ناس القرية نظراتهم القلقة في عمق الارض
في الافق الذي كان رماديا كالخوف
لم يكن أحد يفكر في شيء محدود
سوى في فراغ كان يصعب تحديده
ما تكاد الشمس تتخطى قليلا من وراء أكواخ القرية
حتى تنقطع الحركة ويموت النهار قبل أوانه
مع انها لحظة نادرة يظهر فيها خط الافق فاصل بين السماء والارض
أمسح بعيني سماء القرية لا أسمع إلاّ أنين الرياح
يأتي من بين فجوات محملا برياح موت غريبة
أصبح الان على العتبة وأستطيع ان اقول ان لهذه القرية قصة غريبة
سعدت بالموت المؤجل لأني في لحظة من اللحظات
سعدت ان الدنيا ما تزال تحيد على الرغم من القسوة والقهر؟
لماذا تستعجل القرية الموت ؟
حيث تعرف جيدا أنه بدأ يزرع مساميره في مفاصلها؟
**********


عن المدون International Literary Union Magazin مجلة إتحاد الأدباء الدولي

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد