إبتسام الخميري\ تونس
سحر العيون
أخيرا، بلغت المكان الذي كان تقريبا فارغا إلا من فتاة تجلس في الركن الأيمن.. المقهى الذي أهرع إليه كلما اشتقت اصطياد موضوع قصة أكتبها.. مقهى الأدباء بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة.. وحده هذا المكان قد شهد عديد الأعين الباحثة المتلهفة هنا.. أعين تبحث عن صديق صدوق ترتاح عنده قليلا و تشكوه صروف الدهر.. و أعين أخرى تبحث عمن تقضي معها بعض الساعات مقابل بعض الدنانير ثم تعود لعيون زوجات نكديات ثرثارات هدها التنظيف و الطبخ و صراخ الأطفال...
لكن المكان الآن صار يعوي.. يصرخ.. باحثا في الأفق.. عفوا، انا من كنت باحثا عن أعين الناس الكادحين الراكضين وراء قوت يومهم لأكتب عنهم في مقال بجريدة صفراء لا تباع و لا تشترى ..
تبا للكورونا و لهذه العادة السيّئة التي تعوّدت عليها.. لا يمكنني الكتابة إلا في مكان تملؤه عيون تائهة، حزينة، غريبة...
و أضيع بين نفسي و بيني.. ترى أين دربي؟؟ بل لحظة، من تكون تلك الفتاة التي تجلس في الركن الأيمن في هدوء تام؟ حملني الفضول إلى تغيير مكاني و أجلس قبالتها.. و في لحظة يصعب عدها، أحسستني أعرفها، نعم لقد التقيتها قبل الآن.. فمتى؟ متى؟ رحت ألومني: كيف أسقط من ذاكرتي صاحبة هذه العيون السود و الوجة المستدير كالبدر، المضيء كالقمر؟؟ و هندامها أيضا أعرفه كأنني أنا من انتقيه لها...
جاء النادل و عاد من حيث أتى بعد أن يئس من سؤالي ماذا سأشرب، و انا منغمسا في التذكر.. و دغدغة الماضي علني أجد جوابا لأسئلة تسربلت أمامي..
نظرت السماء فكانت تحمل بعض الغيوم تأملتها كما عادتي فراحت عيون هنا وهناك منتشرة تعلن أننا قد التقينا..
أفقت على صوت النادل يأمرني:
سيدي، سنغلق المقهى تعلم وضع البلاد خلال جائحة الكورونا،
نظرت فلم أجد صاحبة العيون السود، فسألته:
- أين ذهبت الفتاة التي كانت تجلس هناك؟
رد مستغربا:
سيدي، لم يكن أحد سواك..
غادرت و قد نسيت موضوع المقال و لم و لن أنسى صاحبة العيون السود.
ليست هناك تعليقات :