حسن بنعبدالله / تونس
ذاكَ الحَرفُ ...
ـ بقلم : حسن بنعبدالله / تونس
ذاكَ الحَرفُ...
تَنْفَقِعُ القِرَاءَةُ ، وتَنْتَشِرُ الحُرُوفُ مِنَ الذَّاكِرَةْ هُرُوبًا مِنَ الوَقتِ الخَائِنِ ، ومِن مِصدَاقيةِ الاحْتِفَاظ أو منْ كِذبَةِ الامتِلاَءِ .. كُلُّ الحُرُوفِ التي كُنتُ أَعتَبِرُها مَحلَّ صِدقٍ وَمصدَرَ يقينٍ.. كُلُّ الحُرُوفِ التِي انتَشَرَتْ ولَم تَعُدْ مِنْ حَيثُ تَوَارَتْ .. إلاَّ حَرْفَ العَرَاءِ الأَكِيد المَرْسُومِ عَلَى حَقِيقَة العَزَاءْ ...ذاكَ الحَرْفُ الأَكٍيدُ الذِي اعتَبَرتُه مِن أصلِ وُجُودِ كِتَابَتي .. ومَنْ تَارِيخِ العِنَاقِ الإعتبَارِيّ فِي سجلِّ العلاَقَةِ والاحِتِوَاءْ.. هُوَ الخَائِنُ الذِي خَانَنِي ، ومَزَّقَ فِيَّ الأَمَانَ ـ فَلاَ أَمَانَ .. هُوَ القَاتِلُ الذي أزهّقَ رُوحَ المَاءِ الطّاهِرِ .. هُوَ السِّاخِرُ مِنْ طهُورية النَّقَاء .. ومِنْ رَائحةِ الأَنفَاسِ بَيْنَ الشَجَرَةِ والأَثَرِ .. ذاكَ الحرفُ الذي ظلَّ يَحْتَطِبُ من ثِقَتَى وَيَنبُشُ فِي اللاّشعوري بخطورتِه بينَ البِنَاءِ والمعنَى تتلاشى الصُوَرُ فَلاَ عصفُورَةُ الشّمسِ كَمَا كَانتْ عَايِقَةً وَمُزَقزِقَةً .. ولاكَائِنِ الليل القمريِّ يُسَاهِرُنِي ـ بصحوِ الغناءِ ـ كصوتِ فيروز .. وأنين أمّ كلثوم .. وشواهدِ نزار .. ولا أُحبُّ وأُعجَبُ .. وأحجُبُ وأكتبُ بالألغاز ومن الألغاز.. وكنتُ أُتابِعُ الصوتَ وأراقبُ الصّمتَ حتّى اكتشفتُ رُجُوعَ السُّقوطِ منْ مأتاه ، واحتواءِ العِلَّةِ كُلَّ ما راجَ ويروجُ فِي كَوامِنٍ الرُّوحِ حتّى انفلقتِ القراءَةُ وَانغمسَ الشَّرحُ كيفَ أُعمِّقُ فِيَّ البَحثَ عَنِ الاشتِبَاهِ وأقِفُ أمامَ الوقوفِ عَلَى عَتِبَةِ نَفْسِي ـ فلم أجدْ غَيْرَهُ مرتكبًا البقَاء في فراغِ الكلِمة .. وفي امتلاءِ الجُملِ الصوتية والمكتوبة ، وما بين نفسِي وذاكِرَتِي أُعجُوبةُ السنوات التي أثقلت كاهلِي وحمّلتني طول هذا العُمُرِ المُتردّي .. وكَأنّني كنتُ فِي غَيبُوبةِ الوعيِ ، وسهوَ الكُتُبِ التي ألَّفتُها وأعطيتُها من أنفاسي ومن روحي ، ومن أفراحي أو ما اعتقدته أفراحي .. ومن أتراحي...
كَمْ كُنتُ أَتَودَّدُ إلى مُحيطِهِ ـ الحرفُ ـ وأَتوسّدُ معنَى انتِشَائِهِ فِيَّ ، وأنعَمُ فِي اختِبَائهِ فِي ذاكَ المكَانِ العَصيِّ عَلَى القِرَاءَةِ باعتِبَارِ الخُصُوصية والطهُورِيَةِ والاختِبَاءْ ... وَكَمْ كَانَ مَنقُوشا فِي غايَةِ وَشمٍ خَبيثٍ .. عَلَى مُستَوَى الوَصلِ بِيْنَ السَّاحِبِ والمَسحوبِ وبينَ الحرارةِ والماء حتّى الغُصّة وحتّى الاكتواء في جوِّ العرَاء والعزاء ـ وعلى مسافةِ ظلِّ اللحظةِ العابثةِ .. بين السؤالِ والجوابِ .. وعندَ ارتِدَادِ اللُغَةِ ومَنْ يبحثُ في القواميس لكيْ يتأَكّد من الصحيحِ قبلَ التفخيمِ والترقيق .. وبينَ الغُنّةِ والإدغام .. كَمْ كُنتُ أَعتَمِدهُ رُجُوعًا إليهِ عندما تَضيقُ الجُمَلُ وتثَّاقلُ النُّصوص ، وتستحيلُ القصيدَةُ ..وكمْ كُنْتُ أَعْتَمِدُهُ رُجُوعًا إِلَيَّ لِكَيْ أُثّبِّتُنِي فِي قَنَاعَاتِي وَفِي خَاطِرِي وذَاكِرَتِي بَيْن الوُجُودِ والوجودْ.. تَكذِبُ القِّصَّةُ ، وتَرتَكِبُ حَقِيقتَها فِي لحظَة عَرَاءٍ كَافرٍ وساخرٍ .. وَفِي مَسَاسٍ بالشهقَاتِ الأبيةِ وتَستقرُّ عِندَ عَقرَبِ السُّمِّ الزُعَافِ .. وقَدْ مُتُّ ولَمْ أَمُت
حَتَّى أَنَنِي فِي دَوّأمةِ الانتِظَارِ .... كَيفَ سَأمُوتُ ؟؟ أو كيفَ سَأُنفّذُ عَزِيمةِ القتْلِ أو كَيفَ سَأختَنقُ بَينَ القَاتِلِ والمقتُولِ كاتِبًا أو كَاتِمًا ـ مُنتَشِرًا أو مُنعزِلاً ... ولا أدْرِي كَمْ سَأَحتَمِلُ العُمُرَ مُوجِعًا بينَ القِرَاءَةِ وَالبُكَاءْ ...
تَنْفَقِعُ القِرَاءَةُ ، وتَنْتَشِرُ الحُرُوفُ مِنَ الذَّاكِرَةْ هُرُوبًا مِنَ الوَقتِ الخَائِنِ ، ومِن مِصدَاقيةِ الاحْتِفَاظ أو منْ كِذبَةِ الامتِلاَءِ ..مسَأَلةُ وقتِ ... بَينَ البرَاءَةِ والتَّندِيدِ الشّاهِدُ عَلَى اعتِدَاءِ النَّكْسَةِ : " هُرُوبُ الحُرُوفِ مِن القيامةِ ومن الوِشَامِ " ــــــ إلاّ هُوَ ... فِي مكَانِهِ المَوبُوء .. يُحمِّلُنِي رَائِحَتِي .. كَيْفَ أَكُونُ ؟ وكيفُ أُلاَزِمُ مِحرَابِي حَزِينًا وسجينًا في ـ وَصمَةِ كاتِبِي وَلاَ أَدْرِي مَاذا سَأكُبُ انطِلاَقًا مِنْ حَرْفِ طَعنَةِ عِشقٍ ـ يُعلّقُنِي فِي سُؤَالٍ بينَ السَّحَابَة واليَأسْ.......
ليست هناك تعليقات :