د. عبد الجبار شكري \ المغرب
القلق النفسي في زمن فيروس كورونا
اليات الاستغراق والتجاوز والتسامي
يقول بعض الاشخاص ان السعادة والفرح هي حالة نفسية باطنية داخلية لاترتبط بالعالم الخارجي . فعندما نكون فرحين فليس هناك ما يعكر صفو فرحتنا ولو كنا موجودين في عواصف وامطار ورعد فنحن نحس بفرحتنا والعكس صحيح ايضا فنحن حتى وان كنا قلقين تعساء فاننا نعاني الالم حتى ولوكنا في جو ربيعي جميل .هذا التفسير الذي يقول به هؤلاء له مرجعيته السيكولوجية وهو المدرسة الشعورية مع برغسون ووليام جيمس ، هذه المدرسة التي ترى ان سيكولوجية الذات متمثلة في الشعور كوحدة نفسية كلية مستقلة عن العالم الخارجي ومستقلة عن المثيرات الخارجية ، بحيث نجد هذه المدرسة ترى:
اولا - ان الشعور لا يرتبط بالمكان او بالفضاء الخارجي بل هو حالة نفسية باطنية نكتشف وجوده وحالاته النفسية عن طريق منهج الاستبطان، ويعني ممارسة التامل الباطني للذات
ثانيا - الشعور هو وحدة كلية نفسية لا تقبل التقسيم او التجزيء حسب وحدات نفسية
ثالثا الشعور ليس ظاهرة طبيعية خارجية قابلة للادراك والملاحظة الخارجية كما هو الامر بالنسبة للظواهر الطبيعية
رابعا ان احدات الشعور لا تجرى في المكان وبالضبط خارج الانا، في عالم الخارجي هي احداث تقع داخل الذات
خامسا ان ظواهر الشعور هي سيرورة زمنية مستمرة
سادسا سيرورة الشعور لا تعرف بداية ونهاية فالشعور وحالاته تخضع لديمومة متصلةحالات متعاقبة متصلة .
من هنا ارى على العكس من ذلك، ان العمليات النفسية كالفرح والقلق ليستا عمليتان مستقلتان عن العالم الخارجي تحدث باطنيا . بل نجد ان الشعور دائما هو شعور بشيء ما ياتي من العالم الخارجي . فالبنية الشعورية داخل الذات هي كتلة سديمية مبهمة لا تاخذ دلالتها ومعانيها الا باحداث العالم الخارجي . فالشعور دائما هو شعور بشيء ما خارحي موجه الى الخارج كما يقول ايدموند هوسرل .
من هنا يمكن القول ان الشعور يحدث بفعل عوامل خارجية .وبالتالي فتفسير المدرسة السلوكية هو الاقرب الى الصواب في تفسير ظاهرة القلق في زمن كورونا .
ان المدرسة السلوكية هي مدرسة سيكولوجية اسسها جون واطسون والذي يعتبر ان الحالة النفسية ماهي الا سلوك خارجي قابل للملاحظة الخارجية وهذ ه الحالة النفسية اي السلوك لا ينتج الا عن طريق الاستجابة لمثيراث الخارجية . ومن تم يمكن القول ان القلق النفسي في زمن كورونا في المجتمع المغربي ناتج عن مثيرات العالم الخارجي التي نتجت عن فيروس كورونا.
وفي هذا الاطار لا بد من الحديت عن خصائص القلق كظاهرة سيكولوجية عامة وعن انواعه خارج اطار فيروس كورونا. القلق يدخل ضمن الامراض العصابية ، وقد حدد علم النفس الاكلينيكي وعلم النفس المرضي انواع عصاب القلق النفسي وهي :
- النوع الاول القلق الناتج عن الخوف من بعض الأماكن
النوع الثاني هو القلق الناتج تيجة وجود حالة صحية معينة. او وجود مرض معدي .
- النوع الثالث قهو القلق الناتج عن المبالغة في القيام ببنشاط زائد و الإنخراط في أحداث حتى روتينية. وهو ما يسمى باضطراب القلق الشمولي.
- النوع الرابع هو القلق الناتج عن اضطراب الهلع :وهو ديمومة من القلق والخوف، تصل الى درجة عليا خلال في فترة قصيرة، وقد يشعر صاحبها بالم في الصدر وتسارع وضيق في التنفس.
- النوع الخامس القلق الناتج عن الرهاب الاجتماعي: وهو الخوف من المشاركة الاجتماعية .
- النوع السادس هو القلق الناتج عن الوسواس أو التهيؤات السيئة لما سيحدث في المستقبل تجعل الشخص يعيش حالة قلق مستمرة بسبب ما ينتظره.
ولعصاب القلق مجموعة من الاعراض تظهر على الشخص القلق وهي كالتالي :
- التوتر والعصبية
- الهيجان وردود افعال عنيفة
- الارق او تقطع في النوم
- التعب المزمن
- الكسل وانهيار الارادة
- التشتت الذهني وعد التركيز
- الارتباك والتردد
- الام في البطن والاسهال
وفي هذا الاطار قبل ان اتطرق الى كورونا و التخفيف طن القلق النفسي عن طريق اليات الاستغراق السكولوجي والتجاوز لا بد ان اشير هنا الى ان سلوك القلق هو مجموعة من الأفعال التي يقوم بها الشخص،كاستجابة لمثيرات العالم الخارجي . مما يؤثر بشكل مباشر في بنيته البيولوجية فتحدث تغييرات في الدماغ وذلك بخلق اضطرابات وعدم التوازن في السوائل الكيماوية في الدماغ المسؤولة عن حالة المزاج . مما ينتج عنه اضطراب في الحالة المزاجية فتؤدي الى وجود القلق .
و من هنا اقول ان القلق في زمن فيروس كورونا هو سلوك يحدث بسبب مثيرات المرض ونتائجه التي نتجت عن مايلي :
اولا انتشار الفيروس القاتل في العالم.
ثانيا كثرة الوفيات التي سببها الوباء في الصين وفي اوروبا بشكل مزعج .
ثالثا انتشار فيروس كورونا بسرعة.
في ظل الحجر الصحي والحجر النفسي والاجتماعي يمكن التخفيف من حدة القلق والتوتر كما لا يمكن اعتبارحالة القلق هي وهم كما يدعي بعض الاشخاص اصحاب الاشاعات الخاطئة، لان القلق الذي يعيشه الناس الان ليس بوهم وانما هو قلق نفسي واقعي سببه عوامل ومثيرات خارجية. وهو حالة نفسية واقعية . وسيبقى وجود هذا القلق مستمرا باستمرا هذه العوامل . ولكن ما سنقوم به هنا هو ان نعمل على التخفيف من وطاة القلق عن طريق ما اسميه الاستغراق السيكولوجي و اليات التسامي و التحويل والتجاوز، ومن ثم يجب القيام بالخطوات الاجراءية للتخفيف من حدة القلق وذلك باقناع الناس بما يلي:
اولا يجب تطبيق بصرامة وساءل الوقاية من المرض وهي :
ا - عدم الاختلاط مع الناس وهذا يقي الشخص من الفيروس.
ب - يجب ترك مسافة متر بين الشخص والشخص الاخر.
ج - يجب وضع الكمامة على الانف.
- يجب غسل اليدين باستمرار.
- يجب المكوث في البيت.
- يجب عدم تصديق اي اشاعة كانت والتحقق من مصداقيتها.
فاذا اقتنع الناس بهذه الاجراءا ت وتيقنوا انها اجراءات فعالة للوقاية من الفيروس سيذهب عنهم القلق . لان القلق هنا ناتج عن الخوف من المستقبل في الاصابة بالفيروس . فاذا ذهب الخوف وعوض بالحذر فانه في هذه الحالة سيغيب القلق.
بالا ضافة الى كل هذا يجب تدبير مرحلة الحجر الصحي التي هي في نفس الوقت حجر اجتماعي وحجر نفسي .
فالحجر الاجتماعي في الحجر الصحي يعني الانغلاق داخل فضاء اجتماعي منعزل و هو البيت والاسرة والانفصال تماما عن العالم الخارجي باشياءه وكائناته واحداثه.
فيما قبل كان الفيلسوف الالماني مارتن هايدغر يرى ان الناس يعيشون في تجاور انطولوجي في عوالم مختلفة كل بتفاعله وخبراته . اما في الحجر الصحي اصبح الناس في زمن كورونا منفصلين انطولوجيا عن بعضهم البعض وعن هذه العوالم ، كل مسجون في عالم داخلي واحد هو البيت ومع ذوات محدودة هم افراد الاسرة تربطه بهم علاقة قرابة وتفاعل قرابي مخالف للتفاعل مع الاصدقاء والناس فيصبح الشخص في عزلة اجتماعية تسبب له قلقا وتوترا نفسيين .
كما ان الحجر الصحي يصحابه كذلك حجر نفسيي فينعزل الشخص باناه داخل فضاء البيت والاسرة فتتعطل وظائفه السيكولوجية في الاستجابات المتنوعة لمثيراث العالم الخارجي، وفقدان التفاعل مع الناس، التي تنتج عنها سلوكات سيكولوجية كالتفكير والانفعالات وردود الافعال . فيصاب الشخص في هذا الحجر النفسي بما اسميه بالعطالة السيكولوجية فينفصل عن الواقع ويستغرق في معيش الماضي والذكريات ويستغرق في الاستيهامات .
ان الحجر النفسي والحجر الاحتماعي نتيجة الحجر الصحي . تنتج عنه حالات مزمنة من الملل والروتين والخوف والهلع من الفيروس كلها تؤدي الى القلق النفسي . من هنا اقول انه على الناس ان يغيرو ا من سلوكاتهم وعاداتهم التي كانوا عليها في الماضي . ويقومون بتدبير عقلاني لهذه المرحلة الحرجة لينتشلوا انفسهم من القلق النفسي والضغط النفسي عن طريق برمجة انشطة داخل البيت عن طريق مجموعة من الوساءل : الروايات و الانترنيت والفضائيات الرقمية لان ذلك يدفع الشخص الى التركيز على تلك الوسائل والاستغراق السيكولوجي، بدل التركيز على الفيروس وتبعياته وهذا يقلل من حدة القلق والضغط النفسي والاستغراق في الروايات والانترنيت والفضاءيات والابتعاد عن اخبار الفيروس من اي جهة. كل ذلك يؤدي الى الاستراخ السيكولوجي والتخفيف من حدة الملل والروتين والقلق.
ولتحقيق هذا الاسترخاء النفسي يجب اتباع الخطوات الاجرائية التالية :
- اولا الاستغراق في قراءة القصص والروايات الممتعة لان الاسغراق يخلق لدى الشخص بؤرة سيكولوجية من الاسترخاء فيما يستغرق فيه وهذا ينسي الشخص لحظات الملل والقلق والتوتر.
- ثانيا ان التفاعل مع اشخاص افتراضيين في عالم الانترنيت يقلص من العزلة الاجتماعية والحجر الاجتماعي وبالتالي يجعل الشخص يستمتع بهذا التفاعل مما يخفف من حدة القلق واحيانا ينسيه التوتر.
- ثالثا الاستغراق في الفضائيات الرقمية وبالضبط في تحقيقات صحافية في مواضيع مختلفة تقلص من حدة التوتر والقلق.
رابعا - التفرج على افلام ترفيهية وكوميدية و تفاؤلية تؤدي الى الاسترخاء النفسي وتحفز الذات على التفاؤل وتشغل الانا عن القلق والتوتر
كل هذه الوسائل تؤدي الى ما اسميه بالانحياز السيكولوجي اي تحويل البؤرة السيكولوجية من لحظة القلق والتوتر الى الاستغراء والاستمتاع بهذه الوسائل.
وفي هذا الاطار اذا اردنا تجاوز انتشار فيروس كورونا لا بد من استمرار جميع الناس بالحفاظ على انفسهم بتطبيق الحجر الصحي وتجاوز الحجر الاجتماعي والنفسي عن طريق اليات الاستغراق السيكولوجي والتجاوز والتسامي . بالفعل هذه المرحلة الحرجة هي مؤقتة اذا طبقنا الحجر الصحي ووساءل التعقيم والنظافة فاذا استمر جميع الناس بالبقاء في البيت وممارسة التعقيم في كل الاوقات، سنحد من انتشار الفيروس وبالتالي ستمر هذه المرحلة الحرجة بدون نتاءج كارثية .
الدكتور عبد الجبار شكري ( المغرب)
ليست هناك تعليقات :