رابط صفحتنا الرسيمية

» » ادريس الجرماطي \ يوم بدون قضية



ادريس الجرماطي


يوم بدون قضية

لم يعد يتذكر أي شيء عن أوّل يوم وطأت فيه قدماه ردهة المحكمة، أحكام ثم أحكام دون بداية واضحة أو نهاية مأمولة، عمره تآكل بين أروقة المحاكم ومكاتب المحامين والموثقين وكل ما له علاقة بالقضاء. يظهر"مورو"(وهذا هو الاسم الذي أطلقه عليه قضاة ومحامو بلدته) وحقيبته الجلدية القديمة مدلاّة طول الوقت على كتفه، تمسي وسادته بالليل وتصبح ذراعه الثالثة بالنهار، لا يستطيع أحد أن يسأله عن فحوى الأوراق المتسخة البادية دائما من جوانب المحفظة المهترئة، لأنه دائما ما يكون قلقا، وفي عجلة من أمره، لا يكاد رأسه يستقرّ على كتفه من كثرة اللف والدوران.

"مورو" ذاكرة تميل إلى الصدأ يوما بعد يوم، رغم أنّ جسده في خفة حركته يوحي بغير ذلك، من بين محتويات وثائقه لائحة تضم أسماء جميع قضاة البلد، يحرص على أن لا تفوته لافتة تحمل اسم محام في تلك البلدة التي لم يبق فيها أحد دون أن يذرف دمعة المعاناة معه، كل حسب تهمته، لم يكن يهنأ له بال أو تستقرّ في معدته لقمة حتى يرفع دعوى على أحدهم بسبب أو بدونه.

كل المحامين في نظره مجرد مجرمين، حتى أنّ نصف شكاياته ضدّ هؤلاء، كان يتهمهم بالغش والتحايل على القضاء، مرات عديدة حاول أن يقدم دعاوى ضد النيابة العامة بنفسها، ولكنه يقول في كلّ مرة:

ـ كيف للنيابة العامة أن تعتقل نفسها ؟ ويضحك من مجرد التفكير في الأمر، ثمّ يستطرد:

ـ ولم لا ؟ كلّ ما هنالك أنّ الوقت لم يحن بعد...

ما يثير الدهشة والغرابة في شخصية "مورو"، أنه لم يفكر يوما في إجازة رسمية من أفكاره المجنونة، حتى قدم اليوم المشؤوم في حياته، إنّه يوم بدون قضية، أفكار مشوشة ، توتّر بالغ ، إصرار على فعل شيء ما، طفق يعدّ:

ـ الخميس ، الثلاثاء ، الأحد، لا يمكن أن يكون إلاّ يوم الاثنين، المحاكم والإدارات تكون ممتلئة عن آخرها بعد استراحة نهاية الأسبوع، ثمّ همس :

ـ ما العمل إذن؟

يوم بدون قضية، لا يمكن أبدا، شرع يفكر:

ـ من المتهم؟ و ما التهمة؟

"مورو" كالثور في ساحة الحرب، يسير غير مبال بأي شيء، دخل أحد المحلات الكبيرة ، بدأ يلتفت هنا وهناك، الجميع ينظر إليه بعين الاغتراب، انزعج، صادف أن رأى أحد معارفه وكان "كاتبا عموميّا"، توجه مهرولا صوبه وبادره حتى من دون أن يلقي عليه التحيّة:

ـ أرجوك أن تكتب لي شكاية.

ـ ضد من يا عزيزي "مورو"؟

ـ ابن الحرام، لقد خطف الشاة؟

ـ أي شاة ؟ وعمن تتكلم؟

ـ اكتب من فضلك:

هو متهم لا أعرف اسمه، لكنه يأكل الأغنام، سرق منها أعدادا، هذه الشاة ليست لي، ولكنها لرجل في القبيلة مازلت ابحث عنه..فقط هذا ما سمعت..

"الكاتب العمومي" مازال ينتظر من المتهم، نفد صبره:

ـ عن أي متهم تتحدث؟

ـ إنه كلب ابن كلب..

ـ لا تنعت الناس يا "مورو" ب....

في تلك اللحظة، وقبل أن يكمل الكاتب كلامه ، مرّ أحد الكلاب الضالّة، قفز "مورو" من مكانه و تبعه صائحا:

ـ سوف أقدّم بك شكاية أيها اللعين.

تأكد الكاتب العمومي - وسط دهشته- أن ثمة شيء ليس على ما يرام في حياة "مورو"، وهمس لنفسه ضاحكا:

البينة على من ادّعى، واليمين على من أنكر...

عن المدون International Literary Union Magazin مجلة إتحاد الأدباء الدولي

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد